lundi 30 mai 2011

حركة 20 فبراير أمام مفترق طرق

1 - يتساءل مناضلو حركة 20 فبراير عن سبب تصاعد عنف الدولة و منعها بالقوة لتظاهرات الحركة. للإجابة عن هذا التساؤل قدمت عدة تفسيرات :
- تحرك عناصر محافظة في النظام غير راضية عن كل ما يجري و تريد العودة إلى الوراء.
- انحراف الحركة عن أهدافها ورفع شعارات غير متفق عليها من قبيل إسقاط النظام.
- هيمنة المتطرفين على الحركة وخاصة حركة العدل و الإحسان.
كل هذه العناصر واردة كليا أو جزئيا، إلا أنها ما كانت لتؤثر في مسار الأحداث لولا عجز الحركة عن توسيع ملموس لقاعدتها الاجتماعية عدديا ونوعيا.
2 - لقد اطمأنت الحركة لشعبيتها و زخمها الذي فاجأ الجميع منذ انطلاقتها بسبب انفتاحها على جميع الحساسيات الفكرية و السياسية شريطة القبول بأهدافها و شعاراتها. لكن مع مرور الوقت و تطور الأحداث كان طبيعيا أن تتأثر الحركة خاصة و المرحلة شديدة الرمزية وكثيفة المعنى. و لم يكن بمستطاع النشطاء و هم في غمرة الفعل و الحركة أن ينتبهوا لكل التحولات المتعذرة على الملاحظة المباشرة. لا نرى في هذا تفريطا أو تنقيصا من أحد. فالشباب أظهروا بشكل تلقائي و عفوي قدرة فائقة على صياغة ذكية مركزة و معبِّئة لكل مطامح الشعب المغربي التي ناضل من أجلها منذ عقود. لكن ما هي أوجه التقصير و كيف التغلب عليها ؟
3 - لقد وقع التركيز تلقائيا من طرف الحركة على آلية التظاهر كأداة عمل رئيسية إن لم نقل الوحيدة. هذا الإختيار فرض عمليا على الحركة ممرّا وحيدا قد لا يكون دائما سالكا أو لا يلحق به تلف من فرط الاستعمال. لقد وقع بكل تأكيد تنويع داخل نفس الآلية،إلا أنها بقيت دون الوتيرة المرجوة و دون الحجم المطلوب. فبدأ التظاهر يعيش بشكل ملموس نوعا من التارجع، على الأقل في إثارة اهتمام الرأي العام، خاصة و الأحداث من حولها تتطور حادثة مراكش الإرهابية / اعتقال رشيد نيني / دعوة مجلس التعاون الخليجي لعضوية المغرب لها المجلس / استقالة فؤاد عالي الهمة.. و لا أحد يعلم ماذا يخبئ القادم من الأيام من مفاجآت. لقد حاولت الحركة خاصة في الدار البيضاء تنويع تحركات الحركة (الجانب الفني و التطوعي)، لكن لم يفرز خيال الحركة سوى تنويعات محدودة على الآلية الوحيدة. هكذا جاءت فكرة التظاهر المحلي حسب الظروف و المعطيات . ثم جاء بعد ذلك التظاهر في الأحياء الشعبية. لكن حتى و هذا التنويع يعطي الحركة استمرارية أكيدة إلا أنه لم يستطع حسم مسألة المشاركة الشعبية الواسعة. لحد الساعة لم تصل أي تظاهرة رقم 100.000 كما لم يصل الحجم الكلي ليوم احتجاجي رقم 1.000.000 حسب ما استطعت تتبعه من معطيات رقمية. فلماذا عجزت الحركة عن توسيع عدد نشطائها. ربما السبب يرجع لطبيعة الحركة نفسها و هي أنها في الأصل حركة أفراد مشاريع مواطنين بالمعنى القوي للكلمة و بالتالي لا يمكن إغناء الحركة على هذا المستوى دون تحول وازن في طبيعة الحركة ذاتها. و هذا ما قصدناه قبيل فاتح ماي عندما دعونا المركزيات النقابية كي تنظم فاتح ماي وحدوي جماهيري كخطوة أولى على طريق هذا التحول التكويني. إلا أن صعوبات كثيرة حالت دون ذلك. تخلف حقيقي لجل القيادات النقابية عن روح المرحلة و اجترارهم لماض انتهى إلا في عقولهم المعلبة كحوانيت في قسارية تقليدية. كما أن الحركة نفسها لم تدرك أهمية التحاق الحركة النقابية بحركة 20 فبراير. لقد كان الأمل معقودا على ربط الموقع الإجتماعي في النظام الانتاجي المادي للطبقة العاملة بالدور الإنتاجي الرمزي و المعنوي للشباب خصوصا. بعد فاتح ماي استمر تشبثنا بالفكرة، لكنها لم تبرح مكانها بعد. إلى جانب هذا «التحالف» كنا نراهن على أن التحاق تنظيمات جماهيرية أخرى من منظمات شبابية و نسائية وحقوقية و مهنية و مثقفين إلا أن التردد كان سيد الموقف. إن الرهان الآخر على هذا الإنفتاح مرده الرغبة في حفظ التوازن بين كل التيارات المتواجدة داخل الحركة و تجنيبها مخاطر التآكل الداخلي.
4 - من جهة أخرى لا يستطيع أي كان اليوم إخفاء مدى تصاعد الخلاف بين تيار إصلاحي و آخر ثوري داخل حركة 20 فبراير و لا إخفاء عجز الحركة عن تدبير ديمقراطي وخلاق لهذا الاختلاف. لقد راهن التيار الثوري على جر الحركة إلى مواقف غير مواقفها الأصلية. هذا الخطأ يتحمل مسؤوليته طرفا الحركة. فأنصار الثورة كان قبولهم بسقف مطالب الحركة عند انطلاقتها قبولا تكتيكيا لتجنب العزلة و لثقتهم في قدرتهم على جر الحركة تدريجيا إلى مواقفهم المبدئية. لكن بكل تأكيد على حساب نتائج و منجزات الحركة في تحقيق أهدافها المعلنة رسميا. لقد وقع جر الحركة تدريجا لهذا الإتجاه من خلال منع الحركة من المشاركة رسميا في المشاورات الرسمية حول تعديل الدستور. لقد تحقق ذلك بخطوات استباقية كالطعن في اللجنة التقنية المكلفة بجمع المقترحات و التحاور مع مختلف الأطراف و التشبث بفكرة المجلس التأسيسي. بعد ذلك بدأ الشد و الجدب حول مسألة الإعتصامات و لما لم ينجح هذا التوجه ثم التعويض بفكرة التظاهر في الأحياء الشعبية، و بالرغم من النجاحات التي تحققت على هذا المستوى إلا أنه لم يضمن بعد ذلك الحضور الجماهيري الحاسم. موقف أخير شكل جرا للحركة بعيدا عن أهدافها عدم انخراطها في حملة تسجيل الشباب وعموم المواطنين في اللوائح الانتاخبية و الذي لا مبرر له سوى تكريس العزوف عن المشاركة الانتخابية، كما أن هذه الخطوة عربون واضح عن رفض كل تحول دستوري و كأن شعار الملكية البرلمانية ألغي عمليا على أرض الواقع بالنسبة للحركة. إنه منزلق يحملنا على الإعتقاد بأن الحركة تنجر تدريجيا خارج منطق النضال الديمقراطي. كيف ستشتغل هذه الأفواج الجديدة من المواطنين الذين عادوا للمجال و الفعل السياسيين ؟ أليست الموجهات الأخيرة مع قوات الأمن هي التطور الطبيعي لهذا المسار؟ من المسؤول حقا عن هذه التطورات ؟
5 - نختصر القول و ندهب مباشرة لما نراه السبب الرئيسي فيما آل إليه وضع حركة 20 فبراير. إنه الموقف الغريب لقيادات الأحزاب الديمقراطية. فالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم و الاشتراكية لم يقما بأي جهد سياسي وتنظيمي فعلي للدفاع عن المطالب الأصلية للحركة خاصة و هي المطالب نفسها التي طالما ناضلت من أجلها. لكن لا مبرر لهذا التصرف إلا أن القيادات الحالية و الأوضاع التنظيمية لأحزابها هي دون متطلبات الدفاع عن هذه الأهداف خاصة. ففي الوقت الذي نجحت فيه حركة 20 فبراير في الدفع بالإصلاح و المطلب الإصلاحي باتجاه الجذرية سواء على مستوى المضمون أو على مستوى تبسيط و تعميم المطالب على أوسع الجماهير مما حوّل هذه المطالب نوعيا. أما أحزاب تحالف اليسار و أعني بذلك الحزب الاشتراكي الموحد و حزب الطليعة الاشتراكي الديمقراطي و حزب المؤتمر الوطني الاتحادي فهي و إن كانت تبدو أكثر قربا من الطابع الجذري للإصلاح، إلا أن ذلك كان متيسرا لها على مستوى القول فقط أما على المستوى البشري فهي أبعد من أن تستطيع قيادة الكم الجماهيري الكبير الذي تشبع بمطالب حركة 20 فبراير وتبناها. فكيف يتقاسم الفريقان المسؤولية في فشل أدائهما داخل الحركة ؟ الخطأ الأكبر في كل هذا هو أن هذه الأحزاب لم تستطع التقاط المناسبة التاريخية المتاحة لهم جميعا لتدشين تقارب على أرض الواقع في قلب الحراك الجماهيري بعيدا عن التباعدات الايديلوجية و السياسية و ربما حتى الشخصية. كل هذا تحت غطاء مقولة عدم الرعبة في الركوب على الحركة و شبابها. إن الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية قبلت أو ابتعدت إراديا عن تحمل أي مسؤولية في قيادة الحركة تجنبا لكل ما قد يحمله ذلك من مفاجآت ومن مخاطر السقوط في المغامرة. من جهة أخرى هل حقا أنها لم تكن تدري أن التيارات الثورية داخل الحركة كانت منغمسة حتى النخاع في قيادة الحركة «عن بعد». لا نعتقد ذلك مطلقا. فلماذا لم تبحث عن ثنيها عن ذلك؟ السبب هو ما سقناه من تفكك و عجز يشلها بالرغم من توفر الشرط الموضوعي لتجاوز هذا الوضع مع إمكانية حقيقية للسير جماعيا باتجاه الإصلاح الجذري و ناتجاه إعادة بناء الذات اليسارية.
6 - فهل بالإمكان حقا إيجاد حلول فورية لتجاوز التصدع الواقع داخل الحركة و منعه من تفجيرها ؟ الحل ممكن شريطة انخراط الأحزاب الديقراطية اليسارية في اقناع الجميع بضرورة التحاق التنظيميات الجماهيرية المناضلة بالحركة من نقابات ومنظمات و جمعيات شبابية و نسائية و حقوقية ومهنية ومن مثقفين. لكن إذا كانت الدعوة السابقة لتحقيق هذا الهدف قد ضيعت فرصة فاتح ماي و تظاهرة 8 ماي بمراكش و حملة التشجيل باللوائح الانتخابية، فإن الأجندة السياسية المقبلة تختلف عن الاجندة المنتهية، والتالي كيف يمكن تحقيق كل هذا من خلال أجندة انتخابية ؟ ليس هنالك من حل آخر غير التحالف الانتخابي بين قوى اليسار بغض النظر عن الموقف من الدستور.. و إلا أعاد اليسار تجربة الموقف من دستور 1996 و القطيعة التي حصلت بعد ذلك و التبعات الكارثية المترتبة عن ذلك.
لا داعي للقول بأن الواقع يدفع بالتجاه تحويل الحركة من حركة احتجاجية على تكتل جماهيري ديمقراطي تقدمي يسند القوى الديمقراطية في معاركها المقبلة. أو أن تتحول لتيار جماهيري محافظ يدعم تيارات الاسلام السياسي. الجميع أمام لحظة فاصلة بما في ذلك القوى الأساسية في الدولة المغربية.
7 - مرحلة أولى ستنتهي من حياة حركة 20 فبراير و ستبدأ أخرى جديدة. و هي تتطلب من بين ما تتطلب: تنويع أدوات و أسالب النضال / تنظيم عملية التفكير في واقع و مستقبل الحركة و هي مناسبة لإدماج المثقفين في النضال الملموس للحركة / تحمل قوى اليسار دورها العلني في قيادة الحركة مع ما قد ينتج عن ذلك من ردود فعل من طرف القيادة التي مارست دورها «عن بعد» في المرحلة الآيلة نحو النهاية الآن. وبالطبع الأمر ستكون المواجهة مظهريا سهلة بالنسبة لها، لأنها أوصلت الحركة على مشارف خطها الاستراتيجي الغير معلن.
8 - لا داعي للقول بأن الواقع الحركة يحتمل تطورين .الأول يدفع باتجاه تحويل الحركة من حركة احتجاجية إلى تكتل جماهيري ديمقراطي تقدمي يسند القوى الديمقراطية في معاركها المقبلة. والثاني أن تتحول لتيار جماهيري محافظ يدعم تيارات الإسلام السياسي. الجميع أما لحظة فاصلة بما في دلك القوى الأساسية في الدولة المغربية. 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire