samedi 14 mai 2011

حول قبول الأردن والمغرب في مجلس التعاون الخليجي / ثامر حميد


ربما كان خبر ترحيب مجلس التعاون الخليجي بطلب قبول الأردن والمغرب في عضويته واحدا من المفاجئات الكبرى للمراقبين السياسيين فهذين البلدين ليسا من الدول المطلة على الخليج العربي
 وإذا كان الأردن يشترك بحدود مع السعودية فالمغرب يقع في أقصى نقطة غرب العالم العربي ويبعد عن السعودية التي هي اقرب دول المجلس إليه قرابة خمسة آلاف كيلومتر.
واهم ما يلفت نظر المراقب هو أن البلدين الأردن والمغرب تحكمانه ممالك مما يجعلهما من حيث العنوان أقرب إلى دول المجلس ولكن رغم ذلك فإن النظام السياسي في هذين البلدين يتسم بدرجة من الانفتاح ليست موجودة في دول الخليج العربي. ولا يمكن القول أن ما يحكم الأردن والمغرب ملكية دستورية بالمعنى الحقيقي للكلمة ذلك أن صلاحيات الملك فيهما تفوق ما لدى السلطتين التنفيذية والتشريعية من صلاحيات فالملك في الأردن والمغرب هو الذي يختار رئيس الوزراء من بين الكتل الممثلة بالبرلمان ويصادق على تعيين الوزراء وله صلاحية إقالة الحكومة وحل البرلمان ويترأس مجلس القضاء وبذلك يكون النظام فيهما اقرب إلى الملكية المطلقة منه إلى الملكية الدستورية مع وجود قانون أحزاب وانتخابات برلمانية تتسم بدرجة من الحرية بينما لا يوجد نظام أحزاب في دول مجلس التعاون الخليجي رغم وجود برلمان وانتخابات في كل من الكويت والبحرين.
ومهما يكن من أمر فإنه لا يمكن النظر إلى هذا التحرك خارج إطار التحولات التي جرت في المنطقة العربية سواء على مستوى البلدان التي انتصرت فيها الثورات ام على مستوى التحول الذي طرأ على وعي الجماهير العربية في كل مكان إذ لم يعد المواطن العربي يقبل أن تغيب إرادته لصالح سلطة مطلقة جمهورية كانت أم ملكية وتسلب حريته وحقه في التعبير والاختيار الحر تحت أية مسميات سوا ء كان ذلك تحت إدعاء ضرورات الصراع ضد إسرائيل كما في سوريا أو باسم الدين كما في السعودية أو غيرها من الادعاءات.
وعلى ضوء ذلك يمكن القول أنه كما للشعوب العربية الآن ضرورات لم تعد تتطلب التأجيل فإن لبعض الأنظمة العربية الخائفة من رياح التغيير ضرورات من اجل بقاءها تضاف إليها ضرورة أخرى لا تقل أهمية هي ضرورة الحليف الكبير والحامي والمتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية ويقف على رأس هذه الضرورة أمن إسرائيل.
لقد استطاعت الولايات المتحدة ضمان أمن إسرائيل ولمدة زادت عن ثلاثين سنة بفضل اتفاقية كامب ديفيد التي وقعتها مصر مع إسرائيل في  عام  1979 تلك الاتفاقية التي أخرجت مصر من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي وقلبت موازين القوة في المنطقة لصالح إسرائيل ولم تستطع بلدان مثل العراق وسوريا رغم أهميتها في الصراع من التعويض عن غياب مصر.
وقد جاءت الثورة المصرية لتعيد لمصر وجهها ودورها الحقيقي في العالم العربي الأمر الذي أخاف كثيرا إسرائيل وأمريكا ودفعهما إلى التحرك من أجل تطويق مصر ومنعها من استعادة دورها. لا يدور الحديث هنا عن إمكانية استعادة مصر دورها في العالم العربي بين ليلة وضحاها أو الحديث عن عودة مصر للعب دور عسكري في الصراع فذلك أمر بعيد المنال ولكن مجرد عودة مصر كلاعب إقليمي على المستوى السياسي والدبلوماسي والثقافي يمكن أن يترك تأثيرا لا يستهان به في معادلة الصراع في المنطقة وخاصة على المستوى الفلسطيني حيث ذهبت السلطة الفلسطينية بعيدا في تقديم التنازلات بسبب غياب الوضع العربي الداعم للصمود في وجه الضغط الأمريكي والإسرائيلي في وقت كانت مصر مبارك تمارس ضغطا شديدا على السلطة لصالح تقديم المزيد من التنازلات. وهذا ما سوف يتغير لا محالة.
بالأمس فقط تحدث رئيس الأركان المصري مؤكدا موقف الحكومة المصرية من انها سوف تفتح معبر رفح المنفذ الوحيد لقطاع غزة وفلسطين على العالم العربي ورفضت أي تدخل من طرف إسرائيل بشأن اعتبرته من شؤون السيادة يتعلق بحدودها الدولية. ورغم انه لا يمكن الحديث عن استغلال معبر رفح من قبل النظام الحالي في مصر أو الذي سيأتي بعده لأغراض غير رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني وتسهيل حركتهم بالاتجاهين فإنه لا يمكن لإسرائيل المهووسة بهاجس الأمن أن لا تحمل هذا التطور محمل الخطر كون أن هذا المعبر قد يصبح يوما منفذا لتقديم الدعم المختلف للفلسطينيين. ومما زاد من مخاوف إسرائيل والولايات المتحدة الدور الحاسم الذي لعبته الحكومة المصرية الجديدة في التوصل إلى اتفاق المصالحة بين حركة حماس وفتح والذي يبدو أنه قد حظي بموافقة قادة الجيش المصري وهو ما سوف تعتبره إسرائيل والولايات المتحدة مؤشرا خطيرا على الدور المصري الجديد.
وعلى ضوء ذلك يمكن القول أن التحرك نحو تعزيز وضع دول مجلس التعاون الخليجي باتجاه ضم أنظمة مشابهة لها هو مسعى لعزل مصر استباقا لما يمكن أن يحدث فيها من تطورات تضر بمصالح الأطراف المذكورة.
وخارج إطار القول أن الخطوة جاءت بدفع من الولايات المتحدة فمما لا شك فيه أن انضمام هذين البلدين العربيين للمجلس يمكن وصفه بأنه زواج منفعة فالمغرب والأردن سوف يجنيان منافع مقابل الخدمات التي يؤمل منهما أن يسدوها لدول الخليج الغنية.
أين تتمثل الخدمات وأين تتمثل المنفعة؟
إن أول ما يتبادر إلى الذهن هو الدور العسكري الذي يمكن أن يلعبه الأردن والمغرب إذا ما تعرضت إحدى دول الخليج لهزة داخلية تهدد النظام هناك كما حصل في البحرين. وقد أثبتت التطورات أن التدخل السعودي منفردا في البحرين قد جعله أقرب إلى مفهوم الاحتلال منه إلى المساعدة ضد تهديد خارجي ولم يساعد على حل المشكلة هناك ولا نظن أن الجيش السعودي الذي فشل في تدخله لصالح نظام الرئيس اليمني عبد الله صالح في حربه ضد الحوثيين مما أدى إلى اسر العشرات من الجنود السعوديين المزودين بأحدث ما أنتجته المصانع الحربية الأمريكية سيكون قادرا على مواجهة تحديات أكبر من التحدي البحريني. هنا يمكن للأردن والمغرب أن يلعبا دورا لن تستطيع السعودية أن تلعبه لوحدها.

إن أهم ما يميز الجيشين المغربي والأردني هو ولاءهما الكامل للعرش ونحن نعرف أن الملك الراحل حسن بن طلال لم يتردد لحظة في استخدام الجيش الأردني في حربه ضد مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية في ايلول 1970 ونجح بفضل جيشه في طرد تلك القوات من الأردن دون ظهور أي بوادر للتمرد داخل الجيش الأردني. كما وان الملك الحسن الثاني والد الملك الحالي محمد السادس استخدم الجيش المغربي في حرب طويلة ضد قوات البوليساريو المنادية باستقلال الصحراء الغربية كبدت الاقتصاد المغربي خسائر جسيمة دون أن تظهر على الجيش المغربي بوارد الانشقاق أو التململ من حرب استنزفت ثروات البلد. من الناحية الثانية يمتلك الجيش الأردني والجيش المغربي خبرة في شؤون إدارة البلدان التي يتم التدخل بها بفضل استخدام قوات من البلدين للقيام بمهام حفظ الأمن تحت رعاية الأمم المتحدة في العديد من البلدان التي حصلت فيها نزاعات مسلحة خاصة الأفريقية يضاف إلى ذلك أن الجيشين يستخدمان نفس العقيدة العسكرية لدول الخليج وهي عقيدة أمريكية ونفس المعدات العسكرية التي تستخدمها دول الخليج الأمريكية المنشأ بالدرجة الأولى.
أما بالنسبة للمنافع التي سيجنيها الأردن والمغرب فهي ظاهرة للعيان تتمثل بالعون الاقتصادي الذي سوف يحصلان عليه بما في ذلك المساهمة في دفع تكاليف تسليح جيشيهما وتسهيلات إدخال العمالة من البلدين إلى دول الخليج والتي ستكون على حساب العمالة المصرية وغيرها من البلدان العربية وفتح أسواق دول الخليج أمام المنتجات الصناعية والزراعية للبلدين وكثير من المنافع الأخرى التي يطول تعدادها.
وبالنسبة للأردن الذي ربما سيجد نفسه في وقت قريب في المستقبل قد فقد حليفا موثوقا في نظام حسني مبارك سيكون وجوده في منظومة جديدة غنية دعما كبيرا له ولوضعه وهو يتعرض لضغط الشارع الأردني المنادي بالإصلاح الذي يتجه نحو محورين كلاهما يشكل خطرا على النظام، الأول يتمثل بمطالبة القوى السياسية والجماهير الأردنية بتنازل العرش عن المزيد من صلاحياته لصالح السلطتين التشريعية والتنفيذية والثاني يتمثل في مطالب تغيير سياسة الأردن إزاء قضية السلام مع إسرائيل وضرورة تقديم الدعم للفلسطينيين وهذا الضغط سوف يتزايد كلما تقدمت مصر خطوة إلى الأمام على هذين المحورين.
من الناحية الثانية لا بد وان يكون النظام بالأردن في حيرة من أمره حيال التطورات الحاصلة في سوريا فهي سواء انتهت بإقدام النظام في سوريا على تقديم تنازلات لصالح الجماهير من خلال إصلاح النظام السياسي نحو منح المزيد من الحرية والديمقراطية أو انتهت بزوال النظام فإن ذلك سوف يشكل في الحالتين مصدر خطر عليه بسب التشجيع الذي سوف يولده لدى الجماهير الأردنية لأحداث تغيير داخلي كما في سوريا. ولم يعد النظام الأردني يجد حاضنة له في العراق تقيه شر التطورات غير المرغوبة بسبب انشغال العراق بمشاكله الداخلية لذلك فإن انضمامه لمجلس التعاون الخليجي سيكون بالنسبة له كالمن الذي نزل على بني إسرائيل من السماء ليقيهم الجوع.
وبالنسبة للمغرب الذي يعاني من مشاكل اقتصادية ومطالب جماهيرية متصاعدة لصالح قيام ملكية دستورية سيجني نفس المنافع التي سوف يحصل عليها الأردن ولن ينظر إلى تحركه باتجاه دول الخليج على أنه يتناقض مع التزاماته إزاء اتحاد المغرب العربي خاصة وان هذا الاتحاد شانه شأن بقية المعاهدات العربية التي تشكلت خارج الجامعة العربية لم تؤد في إلى خلق إطار لتجمع ناجح ينهض بواقع التنمية في البلدان الأعضاء في المعاهدة ويجعل منها قوة اقتصادية وسياسية قادرة على مواجهة الضغوط والتحديات التي تأتيها من الكتل الاقتصادية الكبرى كالسوق الأوربية أو الولايات المتحدة على سبيل المثال.
وبالنسبة لتونس والجزائر فإنهما لن يجدا ما يخيفهما من انضمام المغرب لمجلس التعاون فكلا البلدين يحتفظان بعلاقات تقليدية جيدة مع دول الخليج العربي وإذا كانت الجزائر قد عانت من التوترات مع المغرب بسبب الموقف من قضية الصحراء فإن التحديات الداخلية التي تواجهها بسبب مطالب المعارضة السياسية الجزائرية يضعها في نفس الموقف مع المغرب ويفرض عليها تناسي الخلاف معها ولو إلى حين مرور عاصفة التغيرات العربية.
ما ذا بالنسبة لمصر وهل ستنظر بعين الريبة إلى هذا التحرك؟
إن أول مشكلة واجهها النظام الحالي الانتقالي في مصر كان من طرف السعودية التي لم تبد رضا عن التحرك المصري باتجاه تنقية الأجواء مع إيران عدى ما يمكن أن تمثله السياسة المصرية الجديدة حيال الموضوع الفلسطيني والذي ترجم نفسه باتفاق المصالحة بين فتح وحماس من تحد للمنظومة السياسية الخليجية التي فشلت فشلا ذريعا في التقريب بين الفريقين الفلسطينيين المتنافسين رغم احتفاظها بعلاقات وثيقة مع كل منهما وكشف بما لا يدع مجالا للشك أن التحرك الخليجي وخاصة السعودي محكوم بالإرادة الأمريكية وان التحرر من الإرادة الأمريكية أصبح شرطا لازما لأي دور مؤثر يمكن أن يلعبه بلد عربي خاصة على المستوى الفلسطيني.
و لا شك ان المصريين قد عكفوا على تحليل هذا التحرك غير أنه مهما كانت استنتاجاتهم فهم على الأرجح ليسوا في وارد التطير منه ولن يسعوا إلى إظهار أنه موجه ضدهم بأن يتخذوا إجراءات مضادة علنية مثل البحث عن وسائل مكشوفة لإفشاله ولكني أعتقد أن تحركا من طرفهم باتجاه تعزيز العلاقة مع العراق ومع سوريا بعض النظر عما سيؤول إليه الوضع المضطرب هناك وكذلك مع تونس من شأنه ان يبعث بإشارات مفهومة من أنها تراقب الوضع عن كثب. وهذا لا يمنع أيضا من أن تقوم بتعزيز علاقاتها مع الدول الخليجية الأخرى غير السعودية والتي لم تجد يوما من تقوي موقع مصر والفلسطينيين في الساحة العربية ما يقلقها لأنها لم تضع نفسها يوما في مواجهة مع مصر كما فعلت السعودية مع نظام جمال عبد الناصر وما ستفعله في مواجهة أي نظام في مصر يسعى إلى إحياء شعارات التضامن العربي الذي يمكن أن يعيد إحياء المشاعر القومية خاصة في قضية الصراع مع إسرائيل والتي ظن السعوديون أنها وئدت إلى الأبد.
وبالنسبة لإيران يكفي مصر أنها لن تكون طرفا في الحملة المعادية لها والهادفة إلى عزلها كما يمكن أن تسعى مصر لتعزيز العلاقة مع تركيا فلديها عنصر مشترك معها يتمثل بموقف حازم من التعنت الإسرائيلي حيال المطالب الفلسطينية وفي كل الأحوال لن تذهب مصر باتجاه إتباع سياسة محاور بديلا عن العلاقات الطيبة مع الجميع بانتظار قيام النظام الجديد بعد الانتخابات.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire