mercredi 8 juin 2011

الإخوان المسلمون وإسلام سايكس بيكو


 

 
 

     كانت مرحلة الانتدابات الغربية للوطن العربي تهيئ لترسيخ تقسيمات سايكس بيكو  بشكل  تدريجي دقيق ومنظم في كافة المجالات الحياتية للمواطن العربي ، حيث أصدرت الدول الغربية المنتدبة جوازات سفر خاصة بالدويلات القادمة وعملة تخص منطقة جغرافية صغيرة تختلف عن المناطق التي حولها، وكذلك استنباط علم خاص بكل كيلو متر مربع من الوطن العربي. والكل يعلم أن هذا الوطن كان يرزح تحت  الحكم العثماني وله عملة موحدة وعلم واحد ولا حدود تقسم بين  أقاليم هذا الوطن .
    وفي خضم هذه المرحلة الانتقالية السوداء والدامية  التي سببها الانتداب الفرنسي البريطاني للوطن العربي ، ولد الإخوان المسلمون  بمقاس يناسب هذه المرحلة تماما ،  حيث  إصلاح الفرد يصلح المجتمع ، وهذا يعني عدم التدخل بالسياسات الكبرى للدول الاستعمارية والتسليم بها، فلم يسجل أي موقف للإخوان المسلمين يرفض مثلا العملة الجديدة او جواز السفر الذي أنتجته الدولة المنتدبة،  فكيف للإخوان المسلمين أن يطالبوا بإزالة الحدود بين أقطار الوطن العربي الواحد ويثوروا على الدول المستعمرة والفرد  لم يُصلح بعد والمجتمع فاسد  برأيهم؟؟؟
    إن صمت الإخوان المسلمين في مرحلة الانتداب على السياسة البريطانية الفرنسية في ترسيخ تقسيم الوطن العربي وعدم  إعلان الثورة العارمة في كل مناطقه ضد السياسة البريطانية الفرنسية  في تلك المرحلة هو  إعلان صريح بان الإخوان المسلمين كانوا ضمن المنظومة المنتجة استعماريا في تلك المرحلة لترسيخ مفهوم سايكس بيكو ميدانيا على الأرض، وبالفعل هذا ما حدث تماما ، وتم تقسيم الوطن العربي إلى دويلات سايكس بيكاوية ، بلغ عددها أكثر من 20 دولة  ضعيفة لا تستطيع حماية نفسها من نفسها؛ لأن  من أوجد هذه الكيانات أوجد له بدائل ومعارضات ومشاكل داخلية وخارجية فيها، تجعلها تعيش صراعات داخلية لا أول لها ولا آخر عادة ما تختتم نهاية كل مرحلة فيها بحرب أهلية دامية ، تجعلها تعود إلى العصور الحجرية وتبدأ من جديد مرحلة جديدة  نهايتها أسوء من سابقتها وهكذا يظل الوطن العربي يدور تحت رحى التخلف والتشرذم والانقسامات .
   لا يخفى على أحد أن هناك إضاءات في ليالي السواد المدلهمة هذه، حيث الثورات العربية المباركة والتي كانت أقرب إلى مقاومة  الوجود الاستعماري منها إلى الثورة في كافة المجالات، سوى ثورة يوليوا التي انتهجت مبدأ التغيير والعمل على النهوض بالواقع المرير  وبناء الاقتصاد القوي  ودعم حركات التحرر في كل العالم، لقد استطاع ناصر بالتحالف مع غاندي أن يبني تحالفا دوليا قويا عرف باسم دول عدم الانحياز؛ للوقوف أمام  قوى الاستعمار الغربي  في كل العالم. وبنى المشاريع العملاقة لتحرير اقتصاد مصر من التبعية الغربية، وبدأ معركة المشروع القومي الواحد ، والأمة العربية الموحدة .
     رفض الإخوان المسلمون مشروع ناصر وسياسته تماما كما رفضتها بيريطانيا وفرنسا ، رغم أنهم  كانوا لا يرفضون سياسات دول عديدة في المنطقة ليس لها أي مشروع  للنهوض بالأمة  كالأردن مثلا؛ حيث كان الإخوان المسلمون هناك يتبعون سياستهم القديمة زمن الانتداب وهي : "أصلح الفرد يصلح المجتمع"، بينما في مصر  تختلف المعادلة ، ويتركون مبدأهم  بإصلاح الفرد ويتجهون لاغتيال ناصر  في المنشية، بل ويشنون حملات التشويه العلنية بالتعاون مع دول حلف بغداد، وما أسوأ أن يتوج الإخوان المسلمون موقفهم المعادي للمشروع القومي بخروج مسيرات في سوريا تؤيد انفصالها عن  الجمهورية العربية المتحدة عام 61، ليس فقط كيدا لناصر بل وعلنا لدعم المخططات الغربية في ترسيخ التجزئة في الوطن العربي.
    واليوم وبعد الهبات الجماهيرية المباركة  التي تطالب بإسقاط الأنظمة  يقف الإخوان المسلمون نفس الموقف، فهاهم  يقفون ضد القذافي لأن الموقف الغربي هكذا يريد ، بينما يتجاهلون باقي الأنظمة في المنطقة  رغم أن منها من وقع معاهدات سلام  مع الكيان الصهيوني .
     لماذا لا يثور الإخوان المسلمون في باقي الأقطار العربية الأخرى؟؟؟ من المؤكد أنهم لن يبادروا بمثل هذه الخطوة ، وأنهم  يستعدون لركوب  هبات الجماهير  باسم الشعارات الدينية .  فلا يهم هذه الجماعة  قضايا الأمة الكبرى  بقدر ما يجنون من مناصب ربحية  تمنحهم منبرا يلقون فيه خطابا  يجعل الجماهير تلتف حولهم . والدليل أنهم عندما كان السادات يوقع  معاهدة كامب ديفد ويزور القدس كانوا يشنون حملات التشويه ضد عبد الناصر ولا يلتفتون إلى ما يفعله السادات ، وكأنه ذهب لمباراة كرة قدم.
    ويصمت الإخوان المسلمون على النظام السعودي واحتضانه الجيش الامريكي ، بل ولا يلتفتون للمجازر الدامية التي تقوم بها القوات الأمريكية في العراق، فما  أن سقط النظام العراقي حتى دخل هؤلاء في الانتخابات العراقية التي نظمت  بإدارة الاحتلال ومأجوريه.
    في سوريا  نسي الإخوان المسلمون مبدأ إصلاح الفرد وحملوا السلاح  في بداية الثمانينيات لإشعال صراع طائفي  بين الطوائف هناك، ولم يحملوا السلاح في دول أخرى وحافظوا على امن الكيان المسخ ولم يشكلوا أي جناح مقاوم في دول الطوق ضد إسرائيل، فمن استطاع أن يحصل على السلاح في سوريا ويطلقه في دمشق يستطيع أن يطلق رصاصاته في عمليات فدائية ضد الصهاينة،  في وقت كان الفدائيون يقتحمون الحدود ليسقطوا شهداء في فلسطين من كافة الفصائل الفلسطينية . لم يكتفِ الإخوان المسلمون بذلك بل تماهوا إلى ما هو أبعد منه، فقد حشدوا طاقاتهم في فلسطين التي هي أحوج البقاع إلى الجهاد ليجاهدوا في أفغانستان ضد روسيا تحت شعار: عبد رب الرسول سياف سيزحف إلى القدس بعد تحرير أفغانستان، فخرج عبدالله عزام من فلسطين للجهاد في أفغانستان ومعه الجموع ، والشعب الفلسطيني يخوض صراعا مريرا مع الصهاينة ، كل هذا وهم يبررون عدم جهادهم في فلسطين بأنهم أسرى .
    تأتي الانتفاضة الأولى المباركة ويكذب الإخوان المسلمون ما كانوا يقولونه عن أنفسهم بأنهم أسرى  ويعلنون الجهاد ويشكلون حركة حماس، وهذا بعد ستين عاما من تاريخ إنشاء هذه الجماعة ، وتمضي حماس منفردة رافضة الدخول في منظمة التحرير الفلسطينية كتيار جهادي ديني، ويتنكرون لأوسلو ويرفضون مؤسسات منظمة التحرير، وما أن رحل الشهيد ياسر عرفات حتى نسي الإخوان المسلمون أن السلطة الوطنية الفلسطينية هي نتاج أوسلو واتفاقياته وأنها إحدى مؤسسات م.ت.ف ويدخلون الانتخابات البرلمانية بعد أن حرّموها سابقا، وكأن الملك جبريل أنزل آية قرآنية جديدة تنسخ التحريم وتبيح لهم الدخول في الانتخابات الفلسطينية فما الذي حدث؟؟
   أقولها بصراحة  أن الرئيس عباس كان أحرص من الرئيس عرفات على مشاركة حماس في السلطة؛ وذلك لأمر في نفس يعقوب كما يقولون،  فالسياسة الفلسطينية اختلفت بعد رحيل  أبي عمار لتتجه في مجالات سياسية بحتة أكثر منها فدائية مسلحة ، لهذا حرص  الرئيس عباس على  محاولة تطبيع حماس وضمها في قطار المرحلة الحالية ، مرحلة  تترسخ معالمها في قيادة دبلوماسية فلسطينية موحدة .
     في مصر يُخلق واقع جديد ، يسقط مبارك وتبدأ مرحلة جديدة يبحث فيها الإخوان المسلمون عن مقاعد برلمانية وسلطة هناك، وبأسرع مما نتخيل يعلن الإخوان المسلمون موقفهم من كامب ديفيد؛ فيقولون أنهم وقفوا ضدها في حينه، ولكنهم بعد أن وقعت لن يقفوا ضدها ولن يسعوا إلى إلغائها، ولا ادري كيف وقفوا ضد توقيع كامبد ديفيد حينها ولا ادري لماذا لا يريدون  السعي إلى  إلغائها فهي معاهدة سلام مع كيان كافر يحتل فلسطين والقدس ، وموقف الإسلام من هذا الكيان واضح  وهو محصور في الجهاد ضده حتى تدميره.
    ثم كيف يبرر الإخوان المسلمون أنهم لن يطالبوا بإلغاء كامبد ديفيد  مع الكيان الصهيوني، بينما في فلسطين  لا يريدون الاعتراف بكل الاتفاقيات الموقعة ؟؟؟ فهل القرآن في مصر يختلف عن القرآن في فلسطين، أم أن الإخوان المسلمون يصنعون قرآنهم حسب مواقفهم ومصالحهم؟؟؟
    كيف يغض الإخوان المسلمون الطرف عن معاهدة وادي عربة وكامب ديفيد  وهي معاهدات مع الكيان الصهيوني وينقلبون في غزة رافضين كل المعاهدات؟؟؟ هل هذا هو موقف الإسلام الحقيقي؟؟
    أقولها بصراحة  وإن كنت لست عالما مجتهدا في الفقه الديني ولكن هذه مسلمات لا يمكن  تجاهلها وهي: أن موقف الإسلام من الكيان الصهيوني في فلسطين كل فلسطين  لا يختلف إن كان في مصر أو الأردن أو سوريا أو اندونيسيا، ويتحدد الموقف فقط بالجهاد ضد هذا العدو حتى تحرير كل فلسطين ، ولا يعترف الإسلام الحقيقي  بأي اتفاقيات سلام مع هذا الكيان ، أما إسلام سايكس بيكو فهو مختلف على نفسه ومع نفسه ؛ لهذا نجد الإخوان المسلمون لا يريدون إلغاء كامب ديفيد ،  ونجدهم أيضا يدخلون انتخابات بريمر في العراق وينقلبون في غزة، ويوالون النظام الأردني وينسون وادي عربة، ويجاهدون كما يقولون في غزة ويغضون الطرف عن الجهاد من الأردن ومصر ضد العدو الصهيوني، وأخيرا يعلن مشعل أنه يريد أن يعطي فرصة للمفاوضات وأن الاعتراف بإسرائيل بعد قيام  دولة فلسطينية عام 67 .
     إن تسليط الضوء على جماعة الإخوان ومواقفها المتناقضة سابقا تتطلب من الجماهير العربية أن تشق طريقها بكل حزم وتبتعد عن مؤسسات أنتجتها الدول الغربية في الوطن العربي لتمزيقه؛ إذ لا يمكن لمؤسسات تماهت مع التجزئة والتمزق و الأنظمة العربية الموجودة حاليا أن تقود المرحلة القادمة لمسيرة الأمة وإلا سنعود ندور في حلقة مفرغة ونبقى في صراعات داخلية لن تغلَّ لنا إلا تشرذما جديدا وتجزئة للمجزأ ، ولن ننسى الدعوات المتصارعة للفتن الطائفية التي تقودها أمريكا وإيران في المنطقة وتعتبر جماعة الإخوان المسلمين جزءا من منظومتها.
                                        
    خالد حجار 
فلسطين
                               

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire