mardi 12 avril 2011

القبلية والوطنية...! / مراد الصوادقي

د. مراد الصوادقي   
بين القبلية والوطنية يكمن مصير الديمقراطية والحرية .. وهذا يمكنه أن يجيب على سؤال لماذا لم تمض اليقظة العربية وتحقق أهدافها في الدول الأخرى مثلما حصل في تونس ومصر؟
ما هو الفرق ما بين تونس ومصر والدول العربية الأخرى؟
يبدو أن الروح الوطنية ضعيفة في بعض الدول وتتغلب عليها حالات أخرى كالطائفية والمذهبية والعشائرية والقبلية، ولا تجد وعاءا وطنيا قويا متماسكا يمكنه أن يحوي الجميع.
فالمعروف عند المصريين حبهم الكبير لأم الدنيا مصر، وقد عبّروا عن هذا الحب في أغانيهم وأناشيدهم وأحاديثهم وخطب قادتهم على مرّ الأنظمة، ونرى ذلك في كتاباتهم وتفاعلاتهم اليومية، فحب مصر حالة متقدمة ومتفوقة على كل حالة أخرى، وهذا الحب هو الجامع المشترك لجميع المصريين. وقد رأينا التعبير الحضاري الثوري التاريخي عنه في الثورة المصرية في ميدان التحرير الذي تحول إلى لوحة جماهيرية فياضة بالحب والوطنية المصرية الرائعة.
وتحقق التعبير عن المحبة الوطنية ومعاييرها في الثورة التونسية أيضا،والتي  قدم فيها قادة تونس أمثلة متميزة في الوطنية والتفاعل الوطني الأصيل الذي يضع مصلحة الوطن وحبه فوق كل شيء، حتى الرئيس التونسي قد عبّر عن الحب الوطني بخروجه الهادئ والمباغت بعد أن فهم الحالة ووجد أنه قد تأخر في فهمه لمعاناة المواطن التونسي.
لكننا لا نجد هذا في باقي البلدان، لأن الوطن مغيّب في القبيلة والعشيرة والطائفة والفئة والحزب والكرسي والصورة والفرد. ونحن نشهد ما يحصل في ليبيا من سلوكيات لا تمت إلى الوطن ومحبته ومعزنه بصلة. فترى القوات الليبية تدمر البلاد وتقتل الليبيين، وكأن الموضوع لا يعني ليبيا والليبين بقدر ما يعني هذه القبيلة أو تلك، أو هذا الكرسي أو ذاك.
نرى تفاعلات لا وطنية ولا يمكنها أن تصنع ديمقراطية وحياة حرة كريمة، لأنها عشائرية قبلية متطرفة لا يمكنها أن تفهم إلا طريقي أو لا طريق، أو أنا في الكرسي أو أقاتل حتى الموت من أجله. وهذا ما صرح به الرئيس الليبي مرارا وبقوة وإنفعال، وهو يشير إلى أنه لن يغادر الحكم حتى آخر قطرة دم، وأنه سيقاتل ويقاتل، وكان يقول ذلك وهو يعني مقاتلة الليبين لأنهم يريدون تغيير النظام. وهذه عقلية قبلية بحتة، تنسف جميع المنطلقات التي أمضى عقودا يصرح بها ويسجلها في كتابه الأخضر.
وهذا يشير إلى أن ما سيحصل في الدول الأخرى سيكون صعبا وداميا ومؤديا إلى تداعيات مريرة. وربما  لا يمكن للمظاهرات أن تحقق ما حققته في تونس ومصر، لأن العقلية السائدة لا يمكنها أن ترتقي إلى مستوى البلاد، ولا يوجد قادة وأحزاب وسياسيين بحجم الوطن، ولا توجد  قصائد وأغاني وطنية بقوة وكثرة ما عند المصريين.
ولهذا فأن أي مظاهرة تحسب عدوانا وتواجه سلاحا ويتم فيها القتل والإعتقال والمطاردة والتنكيل بأصحاب الرأي والقلم والكلمة. ذلك أن التحزبية والأنانية الفردية وغيرها من الإنتماءات اللمنحرفة، هي السائدة وليس المواطنة والوطنية وما يرتبط بهما من جوامع ومشتركات إنسانية تدعو للعمل الوطني المشترك. كما أن الديمقراطية قد تم تفصيلها على هذه القياسات الفاعلة في السلوك، ولهذا فهي ترضيه وتعززه وتمنحه الكثير من المحفزات اللازمة لتكراره وتواصل آثاره ونتائجه المخلة بالوطنية . وفي هذه الظروف والتفاعلات لا يمكن الكلام عن الديمقراطية والحرية، لأن هذه المفاهيم تتقاطع معها ولا تتفق وإياها أبدا، لأنها تريد التحكم بمصير الآخرين، والتفوق بالثروة والقوة والظلم والقهر والإذلال، لكي يتم إرضاء الحاجات القبلية والعشائرية وما ينجم عنها من تداعيات ضارة.
ومتى ما تمكنت المجتمعات من إعلاء قيمة الوطن والمواطنة فأنها تستطيع أن تحقق ما حققه أبناء تونس الخضراء ومصر الكنانة أمّ الدنيا.

د-مراد الصوادقي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire