vendredi 22 avril 2011

غربة نيسان / سلــوى فـــرح



salwa_farahها هو نيسان عاد يتبختر بسحره وروعته.. كيف لا وهو شهر الحب، والجمال، والخصوبة؟ كم أعشق نيسان وأجُله.. إنه سيد الشهور.. يتربع ملكا على عرش الربيع.. ويعبق بشذى عطر جميع الزهور..
كم أتمنى أن أضيع في غمرة نيسان و بين أحضان الأقحوان، والبنفسج.. استدفئ بلمسات النرجس وأتنفس من همسات المنثور.. و أكون برعماً صغيراً .. أتعمد بقطرات الندى فأتفتح كوردة جورية حمراء تملأ الدنيا بعبيرها المخملي..
أريد أن انصهر في روح الربيع فأغدو نسمة رقيقة تلامس رموش العاشقين، وأكفكف دموعهم الغالية.. و أغرق في خلايا النحل شهداً.. ليزداد نيسان حلاوة وعذوبة.. يا ليتني أصبح عندليباً يغرد بحرية بعيداً عن أقفاص البشر القاسية، وأن أتحول إلى فراشة حلم أطير أينما أشاء ولا أعود أبدا إلى عالم مريض مسحور بشعوذة المتخلفين وجهلة العقول..
آهٍ كم أفتقد نيسان وأحنُ إليه في بلاد الشرق، وكم تتراقص أحاسيسي طربا على إيقاعات ذكرى الأمس هناك في بلادي، كنت مع مجموعة من الفتيات الصغيرات نلهو و نمرح في بساتين التفاح كأننا نسابق الهواء بفرح غامر إلى نبع الصفاء في قريتنا لملئ جرارنا الفخارية، ثم نعرج إلى بساتين الورد نتجمع على شكل حلقة حول أزهار شقائق النعمان نقطف منها، وكانت كل واحدة منا تشتم شقائق النعمان وتغمض عينيها وتحلم بأمنية تتمنى أن تتحقق في حياتها ومستقبلها..
قالت إحداهن: أنها تحلم بالزواج، وثانية ترغب بأن تصبح طبيبة مشهورة، وثالثة تتمنى أن تصبح محامية وهكذا دواليك حتى جاء دوري.. أغمضت عينيّ، وقلت بعفوية: أريد أن أهاجر.. أريد أن أرحل إلى عالم بعيد جدا ولا أعود أبدا.. ولا أعرف لماذا اخترت حينها الرحيل؟؟ ما زال عبق شقائق النعمان والأيام الخوالي ملاذاً لذاكرتي حتى يومنا هذا..
دار الزمان وكبرت معه، وتحققت أحلامي.. هاجرت إلى الغرب.. لكني الآن وأنا في الغربة أشعر بأصعب أنواع الحرمان والحسرة لعدم وجودي في الشرق والاستمتاع بجمال وسحر فصل ربيعه، و لأنه أيضا لا ربيع في الدنيا يضاهي ربيع وغناء جنان بلادي..
أما في الغرب فقد فارق العطر شفاه الورود فغدت دون رائحة، حتى أنني صرت أسمع زقزقة العصافير حزينة ، ولا تُفرح القلب، وليس للبابونج نكهة، ولا للبرتقال مذاق، وقد دمر صقيع الثلوج الجمال في مناخ الغرب وأصبحت العلاقات بين البشر بلا ربيع..
أتساءل كثيراً لماذا رحلت أنا؟ ولماذا يهوى الإنسان - بشكل عام في الشرق- الرحيل ولا يقدر نِعَم بلاده الوفيرة والمتنوعة بغناها؟ ولماذا يعتبر أن الغربة هي الجنة وأن الله قد منح كل المغريات المادية للمغتربين؟؟ أسئلة عديدة تدور في رأسي..
بعد هذه السنين والتحديات التي عشتها في الغربة أدركت أن السعادة الحقيقة ليست في السفر والهجرة، وإنما هي في دواخلنا وليست في تغيير المكان.. وإن لم يشعر بها الإنسان في داخله لن يجد السعادة في أية بقعة أرض يكون.. ويبدو أن بحث الإنسان عن السعادة الوهمية- برأيي- يجعله يرى أن المجهول هو الحلم الوردي ولكن للأسف الشديد ربما هو الحلم الأسود لمن خاض هذه التجربة.. لذلك علينا تجديد ذواتنا من الداخل وتغيرها نحو الأفضل وليس بالتنقل والرحيل..
الغربة هي صقيع قاتل، و يدفع المغترب ضرائب باهظة خارج وطنه.. لا أحد يشعر بها إلا من عاشها.. ويجمع آلامه المُبرّحة في ثنايا ضلوعه.. فيعيش المغترب غربتين.. غربة عن الوطن الأم، وغربة عن ذاته والإحساس بالوحدة في داخله..
ولكونه فقط عربي الملامح و الهوية سيظل متهماً والنظرات تطارده وتحاكمه وتتهمه على جرم هو لم يقترفه أبدا.. إنه شعور مؤلم أن يحاسب الشخص على جرائم الآخرين، ويدفع ثمن أخطاء غيره من الجهلة.. و غدت حياة المغترب الشرقي مرهقة، وجامدة، وموت بطيء، مضافاً إلى ذلك أن دوران آلات العمل وساعاته الطويلة أحرقت الياسمين في أنفاسه وأفقدته الإحساس بذاته وبحياته الاجتماعية..
لقد فقد المغترب هويته.. ولن تعترف به الأجيال القادمة ولا بشرقيته.. الآن هو يعيش في حالة رعب حقيقية، ويخوض صراعاً عنيفاً لإثبات ذاته.. لا يستطيع العيش في وطنه ولا العيش خارجه.. نزيفه موجع في الحالتين .. أضحت روحه- رغم ألم الغربة وحنين الوطن- مدمنة على الرحيل.. وصدق من قال: من اغترب مرة واحدة أصيبت روحه بداء الرحيل ..والغربة هي شروع في معانقة الموت..
المغترب لا يرى، ولا زال يحلم بانقشاع الضباب ليرى النجوم والشمس على حقيقتها.. الألم أكبر من أن تعبر عنه الكلمات..
لقد تقاذفتني الأمواج إلى ديار الغربة ولا أدري ما الذي جرى حقا هل هو قدر طلبته روحي لاكتشاف ذاتي أم ماذا؟ لكن ضريبة الغربة كانت باهظة الثمن .. وكم هو مرير بأنك في حاجة إلى غمرة من أقرب الناس إليك ولا تجدهم حولك لتنالها، أو كلمة حانية تدفئ بردك ولا تسمعها.. لكن اليوم تغيرت قواميسي وطقوسي ونضجت حكمتي.. أتمنى أن أعود صغيرة إلى بساتين التفاح في وطني وأجتمع مع صديقات طفولتي لنقطف معا أزهار شقائق النعمان من جديد وشوقي إليه لا يوصف، فلو عدت طفلة ثانية، واجتمعت مع صديقات طفولتي سأقطف من أزهار شقائق النعمان وأغمض عينيّ، وأقول: أريد البقاء في وطني والموت على ثَرَاه الغالي.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire