lundi 11 avril 2011

ارحل( Dégage!)

صالح مورو   
salih_moroo"أحبك يا شعب..." .. كم مرٌّة ردٌّدها الشٌّهيد النٌّقابي المناضل" فرحات حشاد" في حشود وجموع أحبٌّته،أهله وناسه، عبر أرجاء وطنه الأخضر؟
هذه العبارة هي تحفة من تحف القاموس اللٌّغوي للشعب التونسي خاصة،يتميٌّز بها كما لا يتميٌّز بها أحد،مغروسة بقلبه من
قبل سقوط الإستعمار الفرنسي وهي التي قضت عليه وأنهت وجوده بأرض هذا الشعب الأبيٌّ.قضت عليه كما قضى عليه
هذا البيت الشعريّ الخالد بخلود الزمن، للنٌّابغة المرحوم الذي افتقدناه في عزٌّ الشباب والعطاء" أبي القاسم الشابي" القائل:
"إذا الشعب يوما أراد الحياة-------فلا بدُّ أن يستجيب القدر"

مجمل عبارات، ما بين هذا وذاك، بقيت من التّحف النٌّادرة والتي لا يوجد لها ندّ ولا نظير في التٌّعبير عن محبٌّة الشّعوب بالقدر المناسب لعظمة الشعوب. ومن بقادر على أن يجعل لها أندادا؟؟
للتحف عادة قيمة فنية أو أثرية فريدة من نوعها ومحسوسة كمادة ينظر إليها وتترجم إلى شعور باطنيٌّ يختلف من واحد إلى آخر،و قد تحفظ في المتاحف...
أما هذه العبارات التي يدرك كنهها العالم العربي والإسلامي بأسره، فمنطلقها ليس ماديا على الإطلاق، بل هو إحساس متفرٌّد من العواطف الجيٌّاشة، لكنها ذكيٌّة وموزونة الإرادة،تفقه كيف ترسم مسار خطاها وتتلٌّمس حال شعبها إذا ما فاجأته فترة ضنكة ونكدة في حياته... متحفها الذي تحفظ فيه عبرالسنين هو القلب،قلب الشعب بما ضمٌّ من أفراد قلٌّ عددهم أو كثر... وتبقى العبارات نابضة، وثٌّابة على الدٌّوام كلٌّما شعر أصحابها بالضٌّيم والقهر...

و الحال كما تمٌّ وصفه، قلت كلمتك يا شعب في ثورة شتاء 2011 الأخيرة، وصدحت عاليا في وجه أعتى الأنظمة قمعا وبطشا،فأطحت برأس فسادها المتوحٌّش وأخرجته عاريا في ليلة قرٌّة لا يحتمل بردها، معلٌّقا لساعات في السماء، يبحث عن مكان يحطٌّ فيه، بعد ضربة له كانت قاضية على آماله وأحلامه ومن معه...

قلتها وبصريح العبارة:"ارحل!" وردٌّدتها بلغة أجنبية « dégage ! »في ترنيمة ولا كلٌّ الترنيمات، أمام وكر حرٌّاسه الغاشمين... يا لك من شجاع أنت يا شعب !! ما راودك التردّد بل هاجمت الكثير ممٌّن عاشروه ورتعوا في فلكه، مزمجرا:"ارحلوا إلى غير رجعة !!"و كتب ذلك في صفحة مميٌّزة،بلون مميٌّز في سجلٌّ تاريخ الثورات الإنسانية...

لكن،مهلا يا شعب ..!لا تخلط !فالخلط يذهب بالأخضر واليابس،وقوٌّادك الذين أسسوا لفلسفة الثورة في بلادك قبل بداية
الإنعتاق من الإستعمار ما كانوا ليخلطوا في نواميس التمشٌّي المنهجي لبلوغ التحرٌّر الكامل مما كانوا فيه من اللإنحطاط
والمهانة. كانت لهم استراتجياتهم وطرقهم لبلوغ أهدافهم بشكل مشرّف.كان ذلك في تلك الحقبة من التٌّاريح، حين كنت
 تحبو وتأخذ دروسك الأولى في النٌّضال.أما الآن وأنت الذي يقال عنك إنك ناضج وبلغت من المراتب ما بلغت، فلا يسمح لك بالخطإ الواضح والمشين...أنت طالب حرية وديمقراطية والخبز والماء يأتي آخر المراتب بالنسبة إليك...

ألا تتذكر أحد شعاراتك المدوٌّية في سماء الخضراء:"خبز وماء والطاغية لا..."لا فائدة في ذكر الإسم لأن حروف
تاريخ الثورة ستتكفل بذلك. رحل الطاغية ورحل من هم دونه طغيانا ور حل من هم دون دونه طغيانا تحت
نداءاتك المتكرٌّرة والسٌّاخطة،و يبدو أنك تواصل الطٌّرد في هستيريٌّة مخبولة لكلٌّ من اعترضك "ارحل !" لتصل في النهاية يا شعب إلى ترحيل نفسك بنفسك تحت ضغوط الأخطاء وتبقى ساحتك،ساحة النضالات فارغة،حينها تفهم عظم الكارثة...

صحيح هو،أنٌّ الفساد والظلم الذي داهمك كانت موجته عالية الضغط وجرفت الكثير معها، لعبت به كما شاءت
و لكن سوادك الأعظم بقي يتفرٌّج على شطحاتها صعودا ونزولا ولم يجن منها إلا الرٌّذاذ وبر د الليالي...
الآن، وقد تخلٌّصت من موجة الفساد الأسود ورحٌّلتها إلى ما لا رجعة، وجب عليك يا شعب أن تضع سوادك الأعظم
بما فيه،حتٌّى القلٌّة القلية التي شوٌّهتها الموجة الفاسدة ببعض الرٌّذاذ المتناثر منها، تضع الكلٌّ للتٌّجفيف والتنظيف تحت أشعٌّة شمسك السٌّاطعة في سماء حاضرك ومستقبلك الواعد، واعلم يا شعب أنٌّ باب التوبة مفتوح دوما عند الله على أساس أنٌّ خير الخطٌّائين التوٌّابون ومثلك يا شعب خليفة الله فوق الأرض...

أما ضمان مستقبلك فهو مرهون بصبرك واكتفائك بالخبز والماء كما ناديت أثناء ثورتك الكاسحة، مع سلوك حضاريٌّ
سام، يراعي الأولويات ويبتعد عن الفوضى المقيتة والتٌّكالب الهداٌّم. بهذا المنحى فقط، يمكنك تجاوز المرحلة الإنتقالية
بسلام وتختار لنفسك من يمثٌّلك في تحقيق أحلامك من ديمقراطيٌّة وحرٌّيٌّة وكرامة في العيش والذٌات...

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire